رؤية لعملية دمج وزارة التعليم
عبدالله مسعود الجهني
ففي التاسع من ربيع الآخر لعام 1436هـ الموافق للتاسع والعشرين من يناير لعام 2015م صدر الأمر الملكي رقم أ/ 67 والقاضي بدمج وزارة التعليم العالي والتربية والتعليم في وزارة واحدة باسم ( وزارة التعليم ) ، وبهذا القرار تنتقل مسيرة التعليم في المملكة العربية السعودية إلى مرحلة جديدة تواكب متطلبات العصر ومقتضياته ، وحاجة التنمية البشرية وتطلعاتها ، والانتقال من عصر تعدد الرؤى واختلافاتها إلى توحيدها واتفاقها لضمان تسلسل التعليم واستمراريته من مرحلة ما قبل التعليم الأساسي وصولاً إلى مرحلة الدراسات العليا بما يتناسب مع احتياجات المجتمع وسوق العمل وفقاً للخطط الاستراتيجية الوطنية للتنمية بكافة مجالاتها .
ورغم ما تحققه عملية الدمج هذه من نتائج إيجابية مستقبلية ، إلاّ أنها تعتبر محفوفة بالمخاطر والصعوبات والعقبات والتي تؤدي بمجملها إلى نشوء سلبيات تؤثر على الكفاءة الداخلية للنظام وبالتالي تكون لها انعكاسات سلبية على المخرجات المتوقعة ، وذلك نتيجة لعدد من العوامل أهمها : ضخامة المنتسبين للوزارتين والهياكل التنظيمية والإجراءات المعقدة والتباعد الجغرافي وضعف المحاسبية والمشاكل المتراكمة في كل وزارة من الوزارتين ، وغيرها من العوامل الإدارية والفنية المتشعبة .
ولذلك يجب على وزير التعليم تشكيل لجان متعددة ومقيدة بفترة زمنية محددة لإنجاز المهام ، ولعل من أهم المهام التي يجب إنجازها بكفاءة ومهارة وفاعلية عالية لوضع خطة استراتيجية مناسبة لهذا الدمج هو تحليل البيئة الداخلية والخارجية للنظام التعليمي من خلال تحديد نقاط القوة والضعف ومعرفة الفرص والتهديدات ، وفيما يلي تحليل للبيئة الداخلية والخارجية للنظام التعليمي وفق رؤية كاتب هذا التقرير :
أولاً / نقاط القوة في النظام التعليمي :
1-توفر الخبرات والكفاءات العالية في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والتي يمكن الاستفادة منها في توظيفها بما يتناسب مع إمكاناتها ، ودمج تلك الكفاءات لتصبح بيوت خبرة واستشارة في صالح التعليم .
2-وجود مشاريع نوعية قائمة في الميدان التعليمي لها استقلالية إدارية ومالية كمشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم وهيئة تقويم التعليم والمركز الوطني للقياس والتقويم .
3-تحقيق الدولة لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية والمساواة في الخدمات المقدمة من خلال توفر مدارس التعليم العام في جميع مناطق وهجر المملكة ( أكثر من 34 ألف مدرسة حكومية وأهلية ) ، وكذلك التوسع في التعليم العالي من خلال وجود الجامعات في جميع مناطق المملكة ( 28 جامعة حكومية و 10 جامعات أهلية والعديد من الكليات الحكومية والأهلية وقدرتها على استيعاب جميع خريجي التعليم الثانوي ) .
4-سمعة عالمية جيدة للتعليم في المملكة من خلال مشاركاتها العالمية والعربية في اختبارات الرياضيات والفيزياء والابتكارات وحصولها على مراكز متقدمة في المسابقات العالمية والعربية .
5-توفر الدولة الدعم المالي الكبير للوزارة من خلال تخصيص ميزانية تعتبر الأعلى بين ميزانيات وزارات وقطاعات الدولة .
ثانياً / نقاط الضعف في النظام التعليمي :
1-تداخل المسؤوليات والمهام وازدواجيتها في بعض الإجراءات بين كثير من الإدارات والأقسام داخل الوزارة الواحدة قبل الدمج .
2-ضخامة الهيكل التنظيمي وإيحاؤه بالمركزية في اتخاذ القرارات .
3-ضعف الرقابة والمحاسبية وارتباط بعضها بجهات ووزارات أخرى بعيدة عن التعليم .
4-المشاكل المتراكمة في كلا الوزارتين سواء ما يتعلق منها بالجانب الوظيفي أو الجانب الفني .
5-التباعد الجغرافي نظراً لاتساع مساحة المملكة مما يؤدي إلى ضعف في الرقابة الصحيحة والقويمة على كثير من المؤسسات التعليمية .
6-عدم استقلالية الإدارات العامة للتعليم والجامعات وارتباطها في بعض قراراتها بموافقة الجهات العليا في الوزارات مما يؤكد على عدم اكتمال اللامركزية
7-فصل التعليم المهني والفني والتجاري عن التعليم العام والعالي .
ثالثاً / الفرص المتاحة في النظام التعليمي :
1-الدعم الحكومي المادي والمعنوي والدعم الشعبي المعنوي لإجراء تغييرات في النظام التعليمي تتناسب مع احتياجات سوق العمل وخطط التنمية الوطنية ، وتساهم في استمرارية التعليم منذ الصغر وحتى الوصول إلى سوق العمل .
2-البنية التحتية المتوفرة من مدارس حكومية وجامعات تحتوي على مساحات كبيرة لإقامة المشاريع والمباني المدرسية ، وكذلك الخدمات الميسرة للتعليم من إنترنت واتصال إلكتروني .
3-الاستفادة من المباني المتوفرة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب ، وتقديم البرامج والخدمات التعليمية في كل المناطق والهجر .
4-توفر رؤوس الأموال الداخلية لعقد شراكات استثمارية في مجال التعليم من خلال إنشاء المدارس والجامعات الأهلية ، والمشاريع التعليمية ، وتوحيد إجراءات الاستثمار للمستفيدين .
5-توحيد الفلسفة التعليمية في المملكة من خلال إعداد رؤية ورسالة موحدة للتعليم ، وإعداد خطة استراتيجية متوافقة مع الحاجات المستقبلية وفق الإمكانيات المتاحة وتطلعات ولاة الأمر .
6-إعداد خطط للاستفادة من البحوث العلمية وتطبيقها في الميدان التعليمي ، لتحقيق تجارب واقعية محلية وفق ما تتوصل إليه البحوث من احتياجات فعلية للميدان التعليمي .
7-استقلالية الجامعات من خلال إنشاء مجلس أمناء يدير شؤون الجامعة ويسير أمورها مع منحه الصلاحية الكاملة وخاصة ما يتعلق بتمويل الجامعة .
8-إعادة هيكلة نظام التعليم الثانوي وفتح مسارات تعليم جديدة كالتعليم المهني والتجاري .
9-إعادة الهيكل التنظيمي للسلم التعليمي في المملكة العربية السعودية واعتبار رياض الأطفال جزء لا يتجزأ من التعليم ويخضع لوزارة التعليم بكل مدخلاته وعملياته .
رابعاً / التهديدات المحتملة للنظام التعليمي :
1-ظهور تيارات تقاوم التغيير من داخل النظام التعليمي ، نتيجة لضعف المحاسبية وتغيير المهام والأدوار التي ستنتج عن هذا الدمج .
2-التركيز على الجوانب الإدارية لعملية الدمج ومدخلات النظام التعليمي ، وإغفال العمليات الداخلية للنظام ونوعية المخرجات المرغوب فيها .
3-عدم التمييز بين أنواع التعليم من حيث الجودة المطلوبة ونوعية المخرجات ، وبالتالي التقليل من التعليم الجامعي من حيث عملياته ومكانته وأهميته ودور الأستاذ الجامعي في التدريس والبحث العلمي .
4-ارتباط بعض الإجراءات المالية والوظيفية للمنتسبين لوزارة التعليم بوزارات أخرى كوزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية مما يؤدي إلى ازدواجية القرارات وتعارضها .
5-التحول في الاهتمام بالتعليم من النوعية إلى الشكلية والكمية مما يؤثر سلباً على العمليات والكفاءة الداخلية للنظام التعليمي وبالتالي تأثيره على نوعية المخرجات .
وعلى الرغم من تخوف الكثيرين من سلبيات قرار دمج وزارة التعليم العالي والتربية والتعليم ، إلاّ أن التوجهات العالمية التي تنادي بها الهيئات والمؤسسات التعليمية في العالم وبخاصة منظمة اليونسكو تدعم وحدوية التعليم وعدم تفرع الجهات المسؤولة عنه ، لتكون الخطط المبنية متناسقة ومنسجمة مع بعضها البعض .
بالإضافة إلى أن معظم الدول المتقدمة بمجال التعليم في العالم لا يوجد لديها وزارة خاصة بالتعليم العالي ووزارة خاصة بالتعليم العام ، وإنما وزارة واحدة تشرف على جميع أنواع التعليم في تلك الدول ، وإن اختلفت مسمياتها إلاّ أن أهدافها وخططها وغاياتها منظمة وموحدة .
وختاماً نسأل الله التوفيق والسداد للقائمين على التعليم في تحقيق تنمية بشرية تساهم في خدمة الدين والوطن
والحمد لله رب العلمين
تعليقات
إرسال تعليق