مشروع استقلالية إدارات التعليم العام
د. عبدالله بن مسعود الجهني
مشروع استقلالية إدارات التعليم العام
يسير تطوير التعليم في أنحاء العالم بشكل تصاعدي ومتسارع لتحقيق جودة نوعية التعليم، والتي تساهم في دورها بإعداد القوى البشرية المؤهلة للمشاركة بكفاءة وفاعلية في مجتمع المعرفة، والمساهمة الفعّالة في الرفع من القدرة التنافسية بكافة المجالات.
لذلك، ظهرت العديد من المشاريع التي تهدف إلى تطوير التعليم وتحسين مخرجاته والارتقاء بنوعيته، كما انتقلت معظم السياسات التعليمية إلى الاهتمام بالتركيز على العمليات المبنية على المعايير والمؤشرات وفق استراتيجيات وكفايات تقاس بنتائج محددة لتحقيق الأهداف.
وتشهد وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية حراكاً مستمراً وعملاً دؤوباً في جميع الاتجاهات لمواكبة التحولات والتغيرات في ظل التنافس العالمي لتحسين جودة نوعية التعليم، وربما السعي إلى إيجاد أنموذج عالمي جديد للتعليم انطلاقاً من المكانة الدولية للمملكة على كافة الأصعدة.
وبحسب قراءة في نظم التعليم ببعض الدول المتقدمة ذات المساحة الجغرافية كألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا، فإن من أهم القواسم المشتركة بينها استقلالية التعليم العام والعالي، بل إن بعضها تجد المدارس الثانوية فيها لديها استقلال تام حتى في إقرار المناهج الدراسية والتي ينبغي أن تتماشى مع السياسة العامة للتعليم في الدولة.
والمملكة العربية السعودية التي تبلغ مساحتها نحو (2149690 كم2) وعدد سكانها وفق إحصائية 2017 (32552337 نسمة ) تعتبر من الدول ذات المساحات الكبيرة التي تحتوي على تنوع تضاريسي وبيئي وبالتالي تعدد الموارد الطبيعية فيها، وهذا ما يسمح بتنوع المصادر التي يمكن استغلالها اقتصادياً بشرط توجيه العنصر البشري نحو الاستثمار الأمثل لمقدرات البيئة التي يعيش فيها، وهذا لن يكون إلاّ بتوجيه السياسة التعليمية لكيفية هذا الاستثمار.
وفي ضوء ما سبق، فإن تحول سياسة التعليم في المملكة من التمركز حول جهة إدارية تقوم بالتخطيط للتعليم وإقرار المناهج وتطوير التعلم إلى منح الإدارات التعليمية الصلاحيات شبه المطلقة وتمكينها لقيادة وإدارة السياسة التعليمية في المنطقة التي تشرف عليها أصبح ضرورة لتخفيف العبء عن كاهل وزارة التعليم، وتأهيل العنصر البشري بما يتناسب مع طبيعة المنطقة التعليمية من حيث الموارد والقدرات التنافسية التي تمتلكها.
ولعل من أهم المبررات للبدء في تطبيق مشروع استقلالية إدارات التعليم في العام في المملكة ما يلي:
- رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والبدء في تطبيق بعض مشاريع الرؤية كمشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر، والذي يحتاج إلى فلسفة تعليم تختلف جذرياً عن الفلسفة القائمة في مختلف مناطق المملكة.
- اتساع المساحة الجغرافية للمملكة العربية السعودية وما نتج عنها من تنوع للموارد التي يمكن استثمارها إذا وجدت العنصر البشري المؤهل تأهيلاً نوعياً يتلاءم مع متطلبات الاستثمار لنوع المورد.
- عدد السكان المرتفع والنمو السكاني المتزايد سنوياً، وما نشأ عنه من اختلاف الثقافات، وطبيعة الاهتمامات حسب تضاريس المنطقة ومقوماتها الطبيعية والاقتصادية، والتنوع في أنشطة المدن ذات الكثافة السكانية العالية وغيرها من المدن والمحافظات.
- التضخم الكبير في الهيكل التنظيمي لوزارة التعليم، وما ترتب عليه من زيادة العاملين في الوزارة مع اختلاف قدراتهم ومهاراتهم ومستوى أدائهم.
- مركزية الوزارة في إقرار خطط التطوير والتحسين على مستوى المملكة، بما في ذلك تأهيل وتدريب المعلمين والقيادات المدرسية والإشرافية، مما أدى إلى عدم تركيز الوزارة على متابعة تنفيذ السياسات التعليمية في مختلف المناطق، بالإضافة إلى تشتيت الجهود في أعمال تقع مسؤولياتها على إدارات التعليم.
- توجه الوزارة نحو استقلالية الجامعات الحكومية، حيث قد تواجه بعض إدارات التعليم إزدواجية في متطلبات نوعية المخرجات بين الوزارة والجامعات، فاستقلال إدارات التعليم يسمح بالتنسيق والتكامل بينها وبين الجامعات لتحقيق متطلبات المجتمع واحتياجات سوق العمل في نطاق الإدارة التعليمية.
ورغم أهمية البدء في تطبيق مشروع استقلالية إدارات التعليم لتحقيق رؤية التحول الوطني 2020، إلاّ أن الموضوع يحتاج إلى العديد من الدراسات الميدانية التحليلية والمفصلة تفصيلاً دقيقاً، كما أن التطبيق ينبغي أن يتم بشكل تدريجي للحكم على مستوى نجاح المشروع، واستخلاص نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات التي واجهة استقلالية إدارات التعليم.
تعليقات
إرسال تعليق