(3-2) الهيبة الشخصية .. وقوة التأثير


 د. عبدالله بن مسعود الجهني

تناول المقال السابق دور الهيبة في تمكين بعض الأفراد من التأثير على الآخرين فتحولهم إلى منقادين وتابعين، وهذا الانقياد والتبعية ما هو إلا نتيجة حجب التفكير وافتقاد بعض السمات التي تؤدي إلى ضُعف الشخصية وانعدام الثقة بالنفس، بالإضافة إلى الغريزة الإنسانية في اتخاذ قائد للمجموعة سواء كانت كبيرة أم صغيرة، وإن هذه الهيبة إما أن تكون مكتسبة (اصطناعية) أو ذاتية (شخصية).

فالهيبة المكتسبة لا تمثل سحراً وجاذبية بحد ذاتها بل تنشأ نتيجة للعامل الذي كوّن هذه الهيبة في تصورات التابعين، وتنبع هذه الهيبة من عدد من المصادر كامتلاك الثروة أو تقلد مناصب معينة أو شهرة في مجال محدد أو حتى لقب وظيفي أو علمي، وفي بعض الأحيان يكفي اسم العائلة أن يحيط الفرد بهالة من الهيبة، وهنا لا بد من الإشارة أن الهيبة في هؤلاء الأفراد ليست نابعة من قيمتهم الشخصية بل مما يملكونه من قيمة مادية مكنتهم من التأثير على الآخرين.

وهذا النوع من الهيبة يعد الأكثر انتشاراً والأوسع تبعية، ولكنه في نفس الوقت الأسرع زوالاً ذلك لأن الهيبة أو القوة هنا تستمد من المركز المالي أو الاجتماعي أو الوظيفي، ومتى ما زالت ظروف نشأتها فإنها ستأخذ في الزوال شيئاً فشيئاً إلى أن تتلاشى، والأمثلة على ذلك كثيرة في المجتمع، فأين هيبة المديرين والضباط الذين تركوا مناصبهم، وأين هيبة أصحاب الأموال الذين خسروا في تجارتهم، وأين التقدير والاحترام الذي كان يجده المشاهير في بعض المجالات حتماً تحولت إلى مشهور جديد ومدير حالي وضباط تم ترقيتهم مؤخراً.

أما التابعين والمنقادين لهذا النوع من الهيبة فمعظمهم من أصحاب المصالح والمنتفعين أو من الأشخاص الذين يفتقدون إلى أدنى مقومات الشخصية المتزنة، وأيضاً أولئك الذين وجدوا في أصحاب الهيبة المكتسبة مثالاً يحتذى به ليتم تنصيبه قائداً وزعيماً يلبي احتياجاتهم العاطفية، ويسدون من خلاله النقص الشخصي والفراغ المجتمعي الذي يتوهمونه، وهذه غريزة طبيعية لدى البعض.

وللإحاطة فإن بعض ممن يمتلكون الهيبة المكتسبة لديهم هيبة شخصية وبالتالي فإن الهيبة المكتسبة تدعم الهيبة الشخصية وتزيد من توهجها وكذلك التابعين لها، وفقط أولئك الذين يمتلكون النوعين هم القادرين على الاستمرار والهيمنة على مشاعر الآخرين، أما من يمتلك الهيبة الشخصية أو الذاتية فتأثيره هو الأقوى والأبقى والأكثر دواماً واستمرارية، والجميل في هذا النوع من الهيبة هو أن أي فرد يستطيع امتلاكه مهما كانت مقوماته المادية أو منصبه القيادي أو جماهريته، وذلك ما سيكون عليه محور حديث المقال القادم بإذن الله.

Dr.aaljohani@

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحوكمة في مؤسسات التعليم العام

التعليم المتمايز .. من أجل العدالة بين الطلاب

سلسسلة مواضيع في القيادة المدرسية | 2 |