جذور التربية الدولية في العالم الإسلامي
عبدالله مسعود الجهني
ظهر مفهوم التربية الدولية لأول مرة
كمفهوم متداول في القرن السابع عشر ، إلاّ أن البدايات الفعلية لممارسات التربية
الدولية والتوجه إلى إزالة الحواجز بين المجتمعات والدول ظهرت منذ بداية الدعوة
للإسلام ، ونظراً لما يمثله تأصيل العلوم من أهمية في الوصول إلى النتائج الصحيحة ،
والنظريات السليمة ، ذات المعايير المجردة والخالصة من الشوائب التي قد تؤثر في
نزاهتها وحيادها ، فإنه يمكن أن ندلل على أن ممارسات التربية الدولية لها جذور
متأصلة في العالم الإسلامي من خلال :
1-الرسالة المحمدية :
-أن
الرسول صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الناس كافة ، على اختلاف ألوانهم ولغاتهم
وأعراقهم وأديانهم ، فقد انتقلت دعوته صلى الله عليه وسلم من المحلية إلى
الإقليمية فالعالمية من خلال دعوته لعشيرته ثم للوفود القادمة إلى مكة المكرمة
للحج والتجارة ، ثم لرؤساء العشائر والمذاهب الدينية عندما انتقل للمدينة ومنهم
اليهود والنصارى ، ثم مراسلة ملوك الفرس والروم والحبشة ومصر وغيرهم من ملوك الأمم
في تلك الفترة .
2-القرآن الكريم :
-لعل
المتأمل في حقيقة الدين الإسلامي بصورة مغايرة لما نفكر به يدرك أنه قد توصل إلى
حقيقة في غاية الأهمية تكمن في أن التواصل والاتصال مع الآخرين يحتاج إلى لغة
مشتركة تجمع بينهم كي لا تلتبس عليهم بعض المفاهيم والمصطلحات ، فكانت لغة القرآن
هي اللغة العربية ، والتي يسهل تعلمها وإتقانها ، لذلك فإن أول وسيلة لتفعيل
التربية الدولية هي إيجاد لغة مشتركة للتخاطب الدولي ، ورغم أن الإسلام أدرك هذه
الوسيلة إلاّ أن المسلمين لم يستثمروها بالشكل الصحيح ، فكان لزاماً علينا أن
نتعلم لغة الآخرين من أجل ممارسة التربية الدولية للتفاهم واحتواء المشاكل
والأزمات .
-كثير من آيات القرآن الكريم تنادي بالاتصال
والتواصل مع الآخرين ، قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) ( الحجرات : آية 13 ) ، وقال تعالى : ( قل
سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) ( العنكبوت : آية 20 ) ، وقال تعالى : ( ومن
آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ) (
الروم : آية 22 ) .
-إن
القرآن الكريم لا ينفي التعامل مع الآخرين كونهم غير مسلمين ، قال تعالى : ( ولو
شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم أجمعين &
أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ( يونس : آية 99 ) ، وقال تعالى : ( إنّا
هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا ) ( الإنسان : آية 3 ) .
3-السيرة النبوية :
-
في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من المواقف والعبر التي تؤكد على أن
التربية الدولية متأصلة في ممارساته وتعاملاته مع الآخرين ، فمن تعامله مع اليهود
، وبعثه الرسائل لملوك الأمم المعاصرة له صلى الله عليه وسلم ، إلى أمر الصحابة
بتعلم لغات الأقوام الآخرين ، إلى حرصه بتبليغ الدعوة لكافة الناس ، بالإضافة إلى
القيم التي حاول أن يؤصلها في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم ، كل ذلك يدل على أن تعاملاته
لا تختص بفئة معينة أو مكان معين ، بل إن قيمه ومبادؤه صلى الله عليه وسلم صالحة
لكل الأماكن والأزمان ، فقد كان صلى الله عليه وسلم وسطاً في تعاملاته مع الآخرين
، قال تعالى : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ، وقال تعالى : ( لكم دينكم ولي دين ) ، ومن
هنا فقد أدرك صلى الله عليه وسلم أنه لا اختلاف بين الناس إلاّ في الدين فقط ،
وهذا لا يوجب قطع العلاقات والعداء بين الأطراف.
4-معاملات المسلمين للآخرين على مر
العصور :
أ-الجهاد
أمر إلهي لإعلاء كلمة التوحيد، ومع ذلك له شروط وأحكام وآداب يجب مراعاتها ، وقد
أوصى على الالتزام بها جميع الخلفاء المسلمين ، ولعل من الشواهد التي تدل على آداب
الجهاد ماتم خلال فتح سمرقند في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز عندما أمر الجيش
بالانسحاب لعدم التزامه بالآداب ، مما كان له بالغ الأثر في نفوس أهل سمرقند
وقسيسيها حيث أسلموا جميعاً بفعل هذا السلوك .
ب-كان
للتجارة الإسلامية دوراً كبيراً في التأثير على الآخرين من خلال ممارسة التجار
للمبادئ والقيم الدينية والإنسانية من خلال تعاملاتهم التجارية مع الآخرين في
الأماكن التي وصلت إليها تجارتهم ، مما كون فكرة مختلفة لدى الآخرين عن مبادئ
الوفاء بالعهود والمواثيق والأمانة واحترام الوقت وغيرها من المبادئ والقيم التي
تظهر بشكل كبير في التجارة .
تعليقات
إرسال تعليق